2008/01/09

عن " قناص بغداد" .. وحكايات "جدتنا" هوليوود


ليس هناك ثقافة في العالم تهتم بالصورة اكثر من الثقافة الامريكية .. الصورة كانت ولا زالت منتج امريكا الاول .. هوليوود مصنع الصور الكوني .. هوليوود بندقية العنف الرمزي الموجهه نحو العالم .. الهيمنة صور وتصورات .. وهوليوود هي بندقية الصور والتصورات .. وهي اثمن بنادق الامبراطورية .. وهذه البندقية هُزمت في العراق ..هزمتها صور العراق .. صور اقل حرفية واقل صنعة ولكنها اكثر "حيوية" واكثر دراماتيكية .. لا غرابة ان تفشل افلام الحرب الهوليوودية الاخيرة في جذب الجمهور .. الخيال الهوليوودي لايجاري الحقيقة في العراق .. كل امكانيات هوليوود اصبحت باهتة امام صور العراق التي يلتقطها هواة في قلب الحدث.

امريكا خسرت معركة الصور في العراق.. صور كثيرة ساهمت في خسارة امريكا .. صور التعذيب في سجن ابو غريب كانت محطة في مسار الهزيمة "الصورية" .. صورة ذلك الرجل الذي يزحف واضعا متفجراته تحت الدبابة ابرامز  ثم ينسحب ويفجرها هي ايضا صورة حاسمة .. الدبابة ابرامز رمز جبروت الامبراطورية سقطت رمزيا في ذلك اليوم .. وصور "قناص بغداد" فعلت وتفعل نفس الشيء بهيبة الجندي الامريكي .. ذلك الكائن المدجج بالسلاح والذي صمم لباسه وهيئتة لكي يبدو كجندي من كوكب اخر .. جندي بعيد المنال .. صور "قناص بغداد" جعلته "في متناول الفوهة" .. صور "قناص بغداد" اعادت صورة الجندي الامريكي الى حجمها الطبيعي .. لا بل هي قد حجمتها رمزيا.

الحرب صور .. معركة صور .. والامريكي بحكم اهمية الصورة في ثقافته يعرف أفضل من غيره ان خسارة معركة الصورة تعني خسارة الحرب .. لم يكن مستغربا ان الاعلام الامريكي قد تجاهل الجزء الاول من فلم "قناص يغداد" .. ولم يكن مستغربا الضغط الذي تعرضت له محطة "السي ان ان" عندما تطرقت بحياء للجزء الثاني .. الجزء الاول كان بسيط من الناحية الفنية .. الجزء الثاني كان افضل من الاول فنيا ولكنه ظل من عمل هواة .. الجزء الثالث ظهر قبل اسابيع وهو على درجة فنية عالية وحرفية اكبر.. ولغته البصرية تاخذ بعين الاعتبار متطلبات العين الغربية .. القائمون على وسائل الاعلام الامريكية يعرفون ان صور "قناص بغداد" هذه المرة ستكون مدمرة لمعنويات شعب تعود استهلاك الصور مع الكوكا كولا وعبر صور هوليوود النافخة للذات الامريكية.

بعد انتهائي من مشاهدة الجزء الثالث من فلم "قناص بغداد" انتبهت الى شيء لم اكن اعرفه في السابق .. كنت وما زلت احب افلام الويسترن .. حكايات "جدتي" هوليوود كانت السب!! لازلت اذكر مسلسل "دخان البنادق" الذي كان يعرض في التلفزيون العراقي وانا صغير .. كنت أتسمر أمام الشاشة .. المارشال بقامته الأسطورية يتوسط شوارع بلدته .. مصوبا بندقيته نحو المجرمين واللصوص العابثين بأمنها .. والمارشال كان المنتصر في نهاية كل حلقة .. انتصار المارشال كان مفرحا .. ولكن النهاية كانت محزنة لانها كانت تعني الانتظار اسبوع كامل قبل مشاهدة المارشال من جديد.

لقد كُتب الكثير عن جاذبية بطل افلام الويسترن .. وكيف ان هوليوود تحاول دائما ان تختار اوسم نجومها لهذا الدور: من جون واين الى كلينت استوود .. مما يساهم في زيادة هالته .. ولكنني اعرف اليوم فقط ان وسامة المارشال في دخان البنادق .. تواضع شخصه .. شجاعته لم تكن هي كل الاسباب وراء جاذبيته .. اعتقد ان الشخصية "المعاكسة" هي المساهم الاكبر في جاذبيته .. الشخصيات الشريرة وسلوكياتها الاجرامية هي التي تدفعنا الى الاصطفاف الى جانب شخصية البطل.

نحن نتعاطف مع بطل الفلم ليس فقط لانه وسيم او جذاب سلوكيا .. او لانه يدافع عن قيم انسانية كونية .. ولكن ايضا لان خصمه هو شخصية مجرمة تثير الاشمئزاز وتجعلنا ننفر منه .. ليس غريبا ان كل افلام الويسترن تبالغ كثيرا في رسم شخصية الشرير وتركز بدراماتيكية على وحشية افعاله .. كل حبكة الويسترن تكمن هنا.. في الويسترن نحن دائما شهود عيان لظلم ما .. لجريمة بشعة او لسلوك لا انساني .. وذلك يجعلنا نثور لعدم قدرتنا على فعل شيء .. لذلك نحن ننتظر طوال الفلم لكي نرى نزول العقوبة بالشخصية التي نمقت .. ننتظر عدالة نحن غير قادرين على القيام بها كوننا متفرجين فقط .. وعندما يقوم بطل الفلم بتحقيق تلك العدالة .. "نُسقط" اعجابنا على شخصه.

الغبطة التي نشعر بها عند سقوط المجرم او اللص في افلام الويسترن مصدرها هو اننا نكره المجرم .. نمقت جريمته .. انتهاكاته .. نمقت وحشيته .. ونتمنى عقوبته .. وعندما تُنزل به العقوبة فهناك شعور بالغبطة .. بالتحرر .. شعور برد الاعتبار لقيم انتهكت .. لبشر قتلوا ظلما .. لنساء انتهكت اعراضها ..لهندي احمر او "اسمر" اغتصبت ارضه او ابنته الصغيرة.

في "دخان البنادق" كما في "قناص بغداد" .. نفرح عندما يسقط "المجرم" .. ولا نبالي لسقوط "الكومبارس" المتعاون مع المجرم من اجل حفنة من الدولارات !!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق