2007/01/28

لقد رفعوا الاكمام .. بيد انهم ....

صغيرة مساحة الوضوح في رأسي هذا اليوم .. اتبين مساحة الوطن او ما تبقى منه .. اتحسس مساحة الجرح واشم رائحة العفونة التي بدأت تتصاعد من بعض "اطرافه" .. ولكن رأسي لايتسع لكل ذلك في هذا اليوم .. مساحة رأسي محدودة في هذه الساعة .. مساحة الشمس خارج النافذة اكبر .. والاشجارهناك تبدو بوضوح اكبر .. عرّاها الشتاء .. في ارض يغطيها بياض الثلج .



هل اكتب عن مفارقة السياسة القصيرة المدى التي تسمى استراتيجية جديدة !! خبرنا الاستراتيجية بعيدة المدى خلافا للتكتيك ذو المدى القصير.. كما هي سياسة بوش الجديدة للعراق .. لايران ان اردنا الدقة .. العراق سيدفع من جديد ثمن هذه السياسة القصيرة المدى والنظر الهادفة الى رفع سقف التفاوض مع ايران .. ابواق الاعلام البترودولاري بدأت بالنعيق بناء على اوامر العم سام .. استمروا.. استمروا هكذا .. فمثلكم من يعطي لخسراتنا طعم الانتصار.. قتلتم العراق بخياناتكم والان تريدون جدارا واقيا من حقد الصفويين .. أستمروا ..استمروا .. استمروا بالنعيق .. نار الطائفية الذي غذيتم و تغذون لن تعرف حدود.. وحتما هي لن تستثني خيام هشة.

هل اكتب عن مهزلة البرلمان العراقي شبه الفارغ !! لولا استدارة .. "الكتلة الصدرية الى الوراء در .."يس اووم"... "يس اووم " .. قف .. استعد ، استرح على مقاعد البرلمان" !! لاجديد .. ولا حدود لنفاق العمامة .. يقال ان "عمامة غدر" قد جاءت متأخرة على جلسة "قهوة البرلمان" الاخيرة .. وهي بعد دخولها قد "اضاعت" خمس دقائق من وقت برلمان العراق تبويسا لللحى .. وتوزيعا لجمل من نوع "ها شلونها اخر وجبة من الدريلات؟" على قيادة قوات ذاك الصوب .. ويقال ان مدير القهوة البرلمانية قد وضع عمامة غدر ضمن الغائبين في قائمة حضور "صف البرلمان".. تلامذة فاشلون .. واستاذ مدجج بمعرفة استشراقية .. اعطتنا تلك المهزلة .. مضحك مبكي هو العراق الذي نرى .. العراق الذي لا نرى بالاحرى .. انا حتى لم اعد ارى من تفاصيل العراق شيء.

هي بضعة كلمات جاءتني من صديق من العراق .. ساترك المجال.. بعض مجال.. لمقطع غير شخصي منها .. هي كلمات من الوطن .. كلماتهم اكثر نبضا من كلماتنا .. هم اقرب لشغاف القلب .. هم في عمق الجرح .. هي كلمات صديق من زمن الجامعة ومقهى السيدة .. والسيدة جامعة .. كلمات ترسم مساحة خيبة الامل .. في عراق القتلقراطية .. كلمات صديقي تنتهي هكذا :

ياعزيزي .. ان لغطهم الديمقراطي اصاب رأسنا بالوجع وشعر لحاهم ملأ مؤخراتنا "بالنواسير".. كنا نتصور ان خيول العيد قادمة هكذا كانت امهاتنا في القرى تداعب وتهدهد براءات وفقر طفولتنا : "العيد قادم وهو يمتطي الخيل الملونة من كثرة البضائع والهدايا".. ويصفى العيد كسابقه .. حب شمس وعلوجة وتراب وجكاره .. نعم لقد حقق هؤلاء "العلوج" ومماليكهم ما وعدونا به .. لقد رفــــعو "الاكمام" التــــــي وضعها "النظام المقبور" على افواهنا .. نعم لقد حققوا ذلك لقد رفعوا "الاكمام" بيد انهم خلعــوا " الفك" ايضا.

2007/01/21

غُلبت اصالح في عراق


بغداد شارع طويل .. شارع الرشيد .. اقدم شوارع بغداد .. هو اروعها .. هو الان شارع يحتضر كبغداد.. بغداد المدينة الحديثة ولدت ، ثقافيا و سياسيا ، في بدايات هذا الشارع .. جهة ساحة الميدان .. مظاهرات ثورة العشرين انطلقت من جامع الحيدرخانه .. اشهر مظاهرات العهد الملكي ضد الانكليز ايضا مرت من هنا .. ذات "رجعية" !! حين كان الاختلاف السياسي يظهر ويتظاهر في الشارع علنا .. "التقدميات" التي اسقطت تلك "الرجعية" جعلت من اقبية السجون المكان الوحيد الذي يظهر فيه الاختلاف السياسي ويغيب للابد !! المدينة ليست عمرانا فقط .. المدينة سلوكية لم تعرفها "تقدميات" الارياف التي زحفت تشويها للمدينة .

في بداية شارع الرشيد، جهة ساحة الميدان، هناك الكثير من المقاهي .. بلا شك هي البقعة التي تحوي اكبر عدد من المقاهي في العراق .. مقاهي الزهاوي ، حسن عجمي ، والشابندر هي اشهرها بفضل مرتاديها من المثقفين.. ولكن هناك مقهى اخر اقل حضوة عند المثقفين ..هو مقهى ام كلثوم .. كنا نسميه "مقهى السيدة" تحببا او "السيدة" فقط .. مقهى السيدة لم يكن يشبه المقاهي القريبة منه.. ففيه صوت السيدة يشجو من الصباح وحتى المساء .. وما عدا ذلك فهو مقهى بسيط .. جدران زاد دخان السكائر من بنيتها، تتناثر عليها صور السيدة ومقالات الصحف العراقية عن المقهى وصاحبه الذي يحتفظ بتسجيلات نادرة للسيدة .. وهناك ايضا صور قديمة لصاحب المقهى برفقة ام كلثوم.

عندما ابحث في ذاكرتي عن بداية علاقتي بمقهى السيدة .. اجدني برفقة صديق طفولة يكبرني ببضعة سنوات وكان يرتاد المقهى آنذاك .. سادعوه هنا "ميم" .. ميم هذا هو كردي بغدادي .. استذكر اسمه الان واستحضر اسماء اخوته .. فتنتابني مشاعر متضاربة .. قلة من اصدقائي العرب يحملون اسماء تغوص في عمق تاريخ العرب بهذا الالحاح .. اسم ابيهم ايضا قادم من طفولة الحرف العربي .. الكثير من الاكراد يحملون اسماء عربية اسلامية .. اعرف ذلك .. ولكن ان تكون كرديا وتحمل اسماء عربية تعود لما قبل الاسلام !! لا اعتقد انني طرحت على ميم مثل هذا السوأل .. وهل نطرح مثل تلك الاسئلة على اصدقاء تعودنا على ملامح وجوههم منذ الطفولة ؟ لم نكن نعطي تلك الاشياء هذه الاهمية التي تأخذ اليوم .. الاصل، الهوية هي مفردات سياسة ونحن كنا "مجتمع" .. المجتمع العراقي كان اكثر وعيا وتسامحا من ساسته في مسألة الهوية .. من كل ساسته .. القدامى وخصوصا الحاليين الذين يدمرون العراق بطائفيتهم المريضة.

في نهاية سنوات الاعدادية جلست بضعة مرات على مقاعد مقهى السيدة الخشبية .. كنت اذهب لرؤية ميم هناك .. لم يكن يعجبني مقهى السيدة في تلك الايام .. ما كان يستهويني انذاك في تلك البقعة من بغداد هو شارع / سوق ، لايبعد اكثر من مئتي متر عن مقهى السيدة .. شارع المتنبي .. "بورصة" الكتاب العراقي وسوقه الاروع .. هناك كنت اذهب احيانا برفقة بعض الاصدقاء .. وما ان ننتهي من شارع المتنبي حتى نضيع مشيا في شارع الرشيد .. صيادون في شارع "طويل".. وصولا لشارع السعدون .. عندها ندخل الى مطعم ما لنأكل ونستريح قليلا .. ونخرج بعدها لنرمي اجسادنا المتعبة على مقاعد سينما سميراميس.

عندما التحقت بجامعة بغداد / باب المعظم .. اصبحت اتردد اكثر على مقهى السيدة .. قرب المكان من الجامعة ..بعض اصدقاء الجامعة من طلاب المحافظات كان يسكن قريبا من المقهى ايضا .. وهو قد اصبح في تلك الايام العنوان الدائم لميم .. كنت اذهب برفقة مجموعة من اصدقائي الطلاب .. لم نكن من "سميعة" السيدة .. نادرا ما كنا نسمع ما تقوله السيدة .. واذا سمعنا وتفاعلنا فمع اغنياتها المتأخرة .. تلك التي وزعت الحانها بآلات غربية .. سهلة التقبل لنا نحن اطفال اذاعة "اف ام" بغداد و"اوكسجين" جان ميشيل جار.. كنا نضيع في نقاشات الطلاب التي لاتنتهي.. وما ان تنتهي حتى نضيع في لعبة الطاولي وضجتها المصاحبه لرهاناتها .. الخاسر كان يدفع "الشايات" كالعادة .. رائعة عصريات تلك الايام رغم كل شيء.

البعض كان يعتبر مقهى السيدة مقهى شعبي وفيه بعض "سوقية" .. انا كنت ولا زلت احب "الشعبي" ولم تزعجني "سوقية" مقهى السيدة .. السيدة كانت "سوق" سوسيولوجي لكل شرائح المجتمع العراقي .. من العامل البسيط مرورا بسائقي الباصات العاملون في محطة/كراج الميدان للباصات القريب .. وللعاطلين عن العمل.. وللجنود وحتى للفرارية .. ولطلبة الجامعات .. ولطلبة اكاديمية الفنون الجميلة /قسم الرسم المتصيدين لوجوه رواد المقهى .. واحد من اقرب اصدقائي كان من هولاء .. جواد سليم علمهم حب "الشعبي" .. نكهة "السيدة" قياسا لمقهى الشابندر الخاص بالمثقفين تكمن هنا .. ثلاثمئة متر تقريبا تفصل ما بين مقهى الشابندر ومقهى السيدة .. وعالم من الواقع لم تعرفه "ثقافة" الشابندر المسافرة غالبا في الماضي ..عندما يتحول الماضي الى اسطورة يصبح الحاضر مبتذل.. شعبي.

في مقهى السيدة التي كان يملكها عبد المعين الموصلي / شيخ وقور يجلس بصمت ازلي خلف طاولة تمتلئ باسطوانات السيدة وجهازي الغرامافون العتيقين .. كان هناك تقليد/ اتفاق ضمني مع شيخوخة عبد المعين .. عندما تنتهي اسطوانة ما .. يقوم رواد المقهى القدامى/ "السميعة" بتغييرها ووضع اسطوانة اخرى .. وهولاء يفضلون غالبا اغاني السيدة الشرقية القادمة من عصر ما قبل "امبريالية" الآله الغربية التي "استولت" على حنجرة السيدة بقيادة "الجنرال" عبد الوهاب .. "سَميعة" السيدة كانوا يفضلون السنباطي شيخا لهم .. ارتياد مقهى السيدة ، وبمرور الوقت، جعلنا نستبطن بلا وعي موسيقى السنباطي .. اصبحنا ومن دون دراية "ميلومانات" لموسيقى السنباطي.

يبدو ان تلك البقعة من بغداد قد اصبحت شبه مقفرة الان .. ويبدو ان شارع الرشيد قد فقد معالمه وخطوات محبيه .. كما هو حال عموم شوارع بغداد .. الى متى ستصمد السيدة في عصر اللطمية هذا .. سيكون من الرائع ان تستمر في الغناء في مثل تلك الظروف.

رائعة "غُلبت اصالح في روحي" في شتاء بغدادي مع استكان شاي وبرفقة "شلة العباقرة" .. "ميم" كان يعشق موسيقى "حديث الروح" .. السنباطي صوفياً .
 

2007/01/11

الحجاج يدق الباب من جديد


قبل ايام التقيت الحجاج .. شاهدته يطرق ابواب رؤوس ارهقتها خساراتنا المتتالية .. نعم التقيت الحجاج على صفحات الجرائد وفي كلمات كتاب عراقيين وعرب لا بل وحتى غربيين .. استذكرته خطبة بليغة حفظناها في المدارس .. خطبة تكمن في سحرها الخطابي معاني قمع مدمرة .. حفظناها ونحن صغار فهزمتنا ونحن كبار .. وها هو الحجاج يزورنا من جديد .. كل هزيمة والحجاج بخير!!

التقيت الحجاج في كلمات الكثير من الكتاب العراقيين بهيئة استكانة تجتر مقولات التاريخ لتشرح عنف الحاضر .. ترى لماذا كل هذا العنف في العراق ؟ سؤال مشروع .. ولكن اجابة كتاب الاجترار تخون السؤال لأنها جاهزة : هذا هو العراق منذ خمسة الاف سنة ، البعض يزايد ويذهب نحو سبعة الاف .. لا باس ماذا بعد .. العراقي بدوي بطبعه ومن هنا عنفه .. طبيعة عراقية عنيفة ازلية .. فعنف ازلي.

والتقيت الحجاج في كلمات بعض الكتاب العرب .. وخصوصا من رهنوا اقلامهم لحجاج يحكم او شيخ يلطم .. التقيته في كلماتهم بهيئة جهل كبير بالتاريخ .. تاريخهم .. وبعض شماتة و تشفي بالعراق المحتضر .. العراق حتى وهو يحتضر يذّكرهم بعارهم .. بخياناتهم اللامتناهية لقضايا العرب ولشعوبهم من اجل حفنة من الدولارات : هولاء العراقيين اهل شقاق ولايحكمهم الا حجاج سفاح.

والتقيت الحجاج عند بعض الكتاب الغربيين قبل ايام .. في كلماتهم كان الحجاج يختفي خلف مفردات القانون والديمقراطية وحقوق الانسان التي ترفض عقوبة الاعدام .. ولكن هذه الكلمات الساطعة لم تستطع اخفاء ملامح الحجاج .. فحوى كلماتهم امام عنف الجلادين الجدد تقول : قضية خاسرة هم العرب .. سيوف وحبال .. والرقاب واحدة.

ليس غريبا ان ترى الحجاج للمرة الالف في كلمات الكثير من الكتاب العراقيين .. فمنهم من لم يخرج بعد من عباءة المُلا .. وهذا الصنف لايعرف من التاريخ غير خطب وخطابة وقوالب كلام جاهزة ومجترة .. ومنهم من لم يذهب في دراسة الماركسية ابعد من شوارب ستالين وقمعيته "المبسطة" للاجساد وللأرواح .. ومنهم من خرج من عباءة الملا فاحتضنته بنيوية المقاهي التي يمنعها دخان السكائر من رؤية التاريخ .. بنيوية المقاهي .. "جينات" ازلية .. وعنف الجينات : من الحجاج الى اليوم العقلية واحدة اذا العنف واحد .. بنيوية المقاهي هي تاريخ ذهب في اجازة طويلة الامد .. تاريخ مستقيل ..عندما لانفهم عالمنا لايبقى امامنا غير خيار الاجترار لمقولات التاريخ او الاستقالة عن الواقع .. وما اكثر استقالاتنا التي وضعت العراق في كف عفريت امريكي وكف عمامة .. وما اكثر الاجترار هذه الايام.

وليس غريبا بعد ذلك ان تجد الحجاج في كلمات بعض الكتاب العرب .. هم صنفان .. صنف "يسوّد" اوراقه وبالتالي الواقع ، بأمر الحاكم الان .. وهولاء لاننتظر منهم معرفة .. فعندما يباع القلم يفقد شرعيته المعرفية .. وصنف اخر تهيمن دكتاتورية عاطفته على بقايا عقله .. وهولاء يبكون في حضرة التاريخ واحداثه .. والتاريخ يحتاج لمن يحلل الظروف التي انتجت احداثه .. لا لباكٍ على الاطلال او لطّام على المواجع.

وانا اخير لااستغرب ازدراء ذلك البعض من الكتاب الغربيين .. كلما اصادف هكذا غباء مزدري .. اتذكر ما قاله برنارد لويس لـ بوش .. عندها لا يدهشني شيء .. برنارد لويس هو مستشرق مقروء جدا في الغرب ومسموع داخل الحلقة التي تخطط لبعثرتنا و لهيكلتنا على شكل امارات تابعة .. هل تعرفون ماذا قالت معرفة برنارد لويس عن العرب لبوش الذي بعث يستشيره بعد احداث 11 ايلول: " برأيي ان احد الاشياء التي يجب ان تقوم بها ضد العرب هو ضربهم بين عيونهم بعصا طويلة .. فهم يحترمون القوة" .. هكذا تكلمت قمة "المعرفة" الاستشراقية .. هل نستغرب غباء القعر!!

عندما تردد على شخص ما قول ما ولفترة طويلة فانك ستنتهي باقناعه بذلك .. المشتغلين في حقل التربية والدعاية يعرفون تلك الحقيقة .. وكثيرون منا قد هزمتهم الحجج المجترة لمقولات التاريخ .. كثيرا ما سمعنا عراقي او عربي يردد وبحتمية مهزوم ان ما يحصل له هو بسبب طبيعة عرقه او ثقافته ، او انها عقوبة الهية .. ومسؤولية المنبر و "كتابنا" في هذا الخصوص كبيرة .. ارهاب فكري ان تردد على انساننا البسيط كل مرة انه خروف قاصر ولا يفيده غير حجاج "يسهر" على الرقاب .. وارهابي ذلك المنبر الذي يُحّمل المستضعفين جريمة حدثت قبل الف وثلاثمائة سنة ( ليس في الاسلام خطيئة كما هو الحال في المسيحية يا عمامة) .. وارهابي ذلك " المفكر" العراقي او العربي المشتغل في "معاهد السلام الامريكية" المُعدّة للحروب ، والذي يبث تصورات تحقيرية لاخيه العراقي او العربي .. ويحمله مسؤولية العنف السائد في العراق او في المنطقة .

لا ، لا .. العنف ليس حصرا على العراقيين ولا على العرب كما يردد علينا بعض كتابنا .. او كما حاولت وتحاول ان تلقنهم العقلية الاستشراقية .. كل الثقافات قتلت تحت ظروف معينة .. لن نذهب الى عصور الظلام الاوربية حيث المحارق الهمجية للنساء .. سنكتفي بالتاريخ المعاصر .. في الحرب العالمية الثانية .. الياباني قد تصرف بهمجية لامثيل لها عند احتلاله للصين .. و الالماني الذي كان قمة الغرب الفكرية ، قد تصرف ايضا ببشاعة تجاه البلدان المحتلة .. امريكا وخلال قرن تأسيسها الاول قد قتلت 20 مليون من سكان امريكا الاصليين .. وهي بذلك قد قتلت في قرن ما قتلناه نحن في قرون .. العنف لا يعرف حدودا ثقافية .. هو ليس انتاج طبيعة ثقافية معينة ... هو نتاج ظروف تاريخية محددة .. وهذا ليس تبريرا للعنف السائد حاليا في العراق او في اماكن اخرى .. ولكنها محاولة فهم وتحييد للصور وللتصورات التي يحاولون لصقها بنا فقط .

منطق القوة يفهمه ويخافه ويحترمه كل البشر .. العنف لغة كونية .. كل دارس لحقل الانثروبولوجيا يعرف ذلك المشترك الكوني بين البشر .. القوة ومنطق العنف الذي تتضمن هو في اساس كل التنظيمات الاجتماعية وهو حاضر في كل الثقافات .. والعراقيون او العرب ليسوا وحدهم من يهاب او يحترم القوة .. وليسوا وحدهم من انصاعوا لجنرالات الحرب او لحجاجيها .. لولا القوة ومنطق العنف الذي تتضمن لما نجح مشروع الدولة في الغرب .. نعم الدولة هي في جوهرها عنف منظم قد نجح وشرعن نفسه .. هكذا تكلم ماكس فيبر وعرّف مفهوم الدولة .. و سكان الجنوب الامريكي هم على حد علمنا ليسوا عربا بل هم اوربيون اريون .. وهم يحترمون "المسدس" اكثر من ابائهم .. وقد تم اخضاعهم وضمهم بالقوة الى الامبراطورية ابان الحرب الاهلية الامريكية .. ويابان الساموراي تحترم القوة و تم اخضاعها بالقوة .. والمانيا الآرية ، التي كونها بسمارك، تحترم القوة وقد تم اخضاعها بالقوة لا بحجج كانط او هيجل الفلسفية.

نحن لا نكرر التاريخ وعنف التاريخ لا ننا ذوي طبيعة عنيفة تجد اصلها في ثقافة عنيفة .. العنف يتكرر لاننا لازلنا نعيش ظروف تاريخية مولدة للعنف .. الانسان في كل مكان وزمان عندما يعيش نفس الظروف القاهرة فهو سينتج نفس السلوك العنيف .. انت لاتتعصب وتقتل لانك بدوي ، عراقي ، عربي ، انت تفعل لانك انتاج ظروف تجعلك تقتل .. بعض جيران العراق من هم اكثر بداوة .. ولكنهم لاينتجون عنفا مماثل .. لماذا لاننا في العراق نقف على صدع ثقافي جيوسياسي (حدود ثقافات عربية ، تركية ، فارسية ) .. نعم ما يفرق بين لا استقرار العراق المزمن وبين "استقرار" سلطنة عُمان .. هو ايضا عامل جغرافي .. ان تكون حدودك بحار وربع خالي .. ليس كما لو كنت بمواجهة سيل من الثقافات والاصول والاعراق كما هو حال العراق على مدى التاريخ.

ثم بعد ذلك .. ان يكون لك ثروات كبيرة فهذا سيزيد الاطماع ومحاولات التدخل الخارجي .. كثير من صراعات الاسلام الاول، والتي انتجت فيما بعد الفوضى في العراق ، بدأت صراعا على بستان قريش، كما كانوا يسمون العراق انذاك ، بين المتنازعين من قريش على السلطة .. واليوم في العراق نفط كثير .. "بستان نفط" هو العراق اليوم .. من هنا التدخلات الخارجية .. ومن هنا الصراع والفوضى والعنف المستشري .. بلدان كالعراق وبتنوعها وغناها ترتقي القمم عندما يتوفر لها الاستقرار.. وهي تسقط سقوط مدوي عندما تعم الفوضى .. ليس بسبب طبيعة عنيفة ازلية .. وانما بسبب تنوع المكونات الداخلية وتنوع المؤثرات الخارجية التي تحيط به و تعدد الرهانات على ثروات العراق .. نجد هنا بعض اسباب الازمة التاريخية والحاضرة في العراق .. ظروف تاريخية متشابهة تنتج ازمات متشابهة ، فوضى متشابهة وعنف لايختلف عن القديم الا بوسائل القتل.

خلاصة القول .. لو شهد بلد ما ما شهده العراق والانسان العراقي خلال الثلاثين سنة الاخيرة .. لخاض ذلك البلد ما يعادل ثلاثون حربا اهلية وليس واحدة فقط .. حتى في ارقى بلد في العالم ، عندما تخلق ذلك الفراغ الامني المخيف فسوف تعم الفوضى .. يكفينا استحضار ما حدث في الجنوب الامريكي بعد مرور الاعصار كاترينا .. غياب الامن لمدة ثلاثة ايام كان كفيلا باعادة بعض مدن الامبراطورية "المتحضرة" الى القرون الوسطى .. والعراق قد صمد امام حصار قاتل لمدة ثلاثة عشر عام ، والعراقيون قد عاشوا ثلاثة حروب مدمرة .. و ما يقرب اربع سنوات الان من غياب تام للسلطة وللامن .. ربما يعتقدون اننا ملائكة !!

لا، لا، لا.. نحن بشر .. نحن اكلوا خبز قبل كل شيء كما يقول فلاسفة اليونان .. ولا نختلف عن الاخرين الا بموقع بلدنا "القائم" على صدع جيوسياسي .. الانسان في كل ثقافة وفي كل دين وفي كل قارة عندما تجوعه ، تحرمه ، تهينه ، تذله .. فسلوكه سيتأثر بهذة الحرمانات لانسانيته .. وهو تحت وطئة تلك الظروف قد يقتل ، ينهب ، يدمر ، يتصرف بهمجية ، يقطع الرقاب ، وينتقم حتى من ذاته .. الآري في القرون الوسطى لم يكن أفضل من العراقي او العربي في نفس الفترة .. وهو حتما ليس افضل منه في العصر الحديث .. في اسبانيا الثلاثينات والمانيا الاربعينات .. كما في يوغسلافيا السلافية التسعينات .. كان هناك قتلة كثر ودماء كثيرة .. في لبنان السبعينات ، في جزائر التسعينات و كما في عراق اليوم .. كانت هناك بنادق وسكاكين تقتل وكانت هناك للأسف دماء كثيرة .. ظروف الفوضى واحدة والقتل واحد رغم اختلاف الامكنة والتاريخ والثقافة.