2006/10/14

صخرة طانيوس .. ثمة ماضٍ حاضر


صخرة طانيوس لـِ امين معلوف رواية رائعة.. لغة مدهشة، بناء درامي متين، عمق في تكوين الشخصيات.. انها رواية تستوحي بحسب الكاتب"بتصرف شديد قصة حقيقية".. الرواية مهداة الى "ذكرى الرجل ذي الاجنحة المتكسرة". اظن ان جبران كان سيفرح بهذا الاهداء لان مستوى التراكم الادبي المضطرد بين الجيلين كان ليطمئنه عن الممكن في المشرق على الاقل ثقافيا.


انها رواية تاريخ الضيعة ، الجبل ، لبنان ، المشرق، كل هذا معا.. " الامر يتعلق بمجتمع يحتم فيه الاحترام الشديد للنساء تجاهلهن".. ذلك ان طانيوس" كان يخاطب هذه الفتاة ويتحاشى التحديق اليها".. نعم انها رواية عن المشرق، قبل قرن ونصف، حين كان الاقطاع المتحالف مع رجال الدين يحكم : سطوة واستهتار الشيوخ ، تعصب رجال الدين، طيبة وخنوع البسطاء ، النزاعات المحلية التي لاتنتهي الخ.

وهي على مستوى اخر تسجل لتاريخ ولوج الغرب في الشرق .. اصطدام جيل جديد (طانيوس) بالافكار الجديدة (القس الانكليزي ومدرسته) ..الصراع بين القيم الجديدة (الحرية) مع القيم القديمة (الاقطاع) ، والنتيجة : صدمة ثقافية، اغتراب عن المحيط .. التمزق بين عالمين.. اجيال عربية كثيرة اختبرت كطانيوس كيف " الحلم يتحول الى كابوس ، والغضب الى غثيان .. مثال:

طانيوس : ارغب بمتابعة دراستي
ابوه : ما تعلمته يكفي صدقني، لو درست كثيرا ، لن تطيق العيش وسط اهلك. ص. 130

انها ببساطة رواية تقول لنا من اين اتي المشرق كبنى تنظيمية اجتماعية وسياسية ، وكتكوينية نفسية وهذا ليس بالقليل.

الرواية بعد ذلك حبلى بالرموز والجمل التي تحكي عن الماضي وكأنها تشير للحاضر وهذا احد اسباب كثافتها.. هنا بعض المقتطفات..عن جريمة اغتيال البطريرك :

 جريمة اقترفت على اراضي الشيخ ، على يد امين سره (الطبقة الوسطى الصاعدة) بالسلاح الذي عهد به اليه شخصيا. كان سلاحا اهداه قنصل انكلترا وقد استعمل بالضبط لاغتيال البطريرك ، احد المناوئيين للسياسة الانكليزية . ص. 184

عن مسؤولية ابناء البلد عن العنف والنزاعات التي لاتنتهي يقول القس الانكليزي :

 "للحصول على راس مجرم ، قُتل اربعة ابرياء. قال لي قحطان بك انه لم يشأ حدوث ذلك ، ولكنه لم يسع للحؤول دون حدوثه. وغدا، سوف يأتي اهالي كفريبدا ، بدافع الثار، لذبح ابرياء اخرين. ثم يتذرع هولاء واولئك، في السنوات اللاحقة بحجج مفحمة لتبرير انتقاماتهم المتتالية. لم يقل الرب للانسان: لن تقتل بدون مبرر بل قال فقط: لن تقتل". من يتحمل وزر ما حدث ؟ انه بكل تأكيد باشا مصر الذي قلب اهل الجبل ضد بعضهم البعض، ونحن كذلك بريطانيين وفرنسيين ....وكذلك العثمانيين... ولانني احببت هذا الجبل كما لو كان مسقط راسي ، فأنني ارى ان ذنب ابناء هذا البلد ، مسيحيين او دروزا، لايغتفر. ص. 285

عن المقاومة التي تحرق الغابة بعد ان استدرجت العدو الى داخلها فينتشر الحريق الى الضيعة مما يتسبب بموت خمسين من الاهالي ، وثلاثين في صفوف جنود الاحتلال :

 "هل كان الايقاع بجيش الاحتلال يسوغ الاستهتار على هذا النحو بحياة الاهالي ، وبيوتهم ، بل وغابتهم الثمينة ؟ هل كان الفرارية الشبان الخمسة عشر ابطالا ؟ ام مقاومين جريئين ؟ ام مقاتلين متهورين ؟ لاريب انهم كانوا يتحلون بكل هذة الصفات ، مقاومين مجرمين ، وابطالا غير مسؤولين عن افعالهم .ص. 152

كريستيان ماكاريان من مجلة "لوبوان" الفرنسية يقول في تعليقه الموجود على غلاف الرواية الخلفي " بقرائتنا لصخرة طانيوس ثمة شرق يقترب". ربما .. ولكن يقترب من ماذا، ممن؟ ربما للجيل الجديد من الاوربيين؟ لابأس ! هناك جمل تقول الاشياء بطرق تجعلها تغيب معاني الاشياء.. لا اظن ان الشرق كان بعيدا يوما ما عن الغرب ، والرواية تخبرنا بأن الغرب وخصوصا منذ قرنين قد " اقترب اكثر من اللزوم" من الشرق .

يقول الامير (وهو حاكم الجبل) : "لقد نعم الجبل بالامس بالازدهار حين كان السلام مستتبا حوله. ولكننا لانمتلك القرار متى تناحر الكبار". ص.262 .

لا جديد في مشرقنا .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق